الوقت- بعد مرور عام على سقوط حكومة بشار الأسد في دمشق، تُعتبر سوريا اليوم حليفًا للغرب، إلا أن هذا التحالف لم يُبدّد السخط الداخلي القديم في سوريا، ولا يزال السخط مرتفعًا للغاية، ولقد مرّ عام على تنصيب الحكومة الجديدة في دمشق، لكن العديد من المناطق لا تزال تُعاني من أزمة هيكلية وانهيار في البنية التحتية. بعد مرور عام، جدد أحمد الشرع، الذي يمسك بزمام السلطة في دمشق، وعده في خطابه بالجامع الأموي بإعادة بناء سوريا لجميع السوريين، لكن يبدو أن هذه الكلمات مجرد شعارات ووعود جوفاء.
ويُعدّ اغتيال العديد من المسؤولين العسكريين وأفراد الجيش السوري والسياسيين ظاهرة متكررة في سوريا هذه الأيام، ورغم مزاعم السلطات الجديدة في دمشق بالعفو العام، لا يزال العديد من الشخصيات العسكرية في الجيش السوري يُقتلون، في الواقع، لا تزال التوترات تتصاعد داخل سوريا.
تفاقم الانقسامات الداخلية
على الرغم من نجاح أحمد الشرع في استقطاب الدعم الغربي، فقد اشتدّ العنف وتعمقت الانقسامات داخل سوريا، وأربعة أيام من المجازر التي ارتكبتها قوات الجولاني وفصائل مسلحة أخرى ضد المدنيين، ومعظمهم من العلويين، على الساحل السوري في مارس الماضي، وما تلاها من عمليات قتل، وضعت هذه الأقلية الدينية تحت الحصار.
ووقعت مجزرة أخرى في يوليو، في منتصف الصيف، ضد المدنيين الدروز في محافظة السويداء الجنوبية، ما أثار قلقًا واسعًا، منذ المجازر، باتت السويداء معزولة فعلياً عن بقية سوريا، وقد شدد سكان المحافظة موقفهم ضد دمشق، ودعا الزعيم الدرزي حكمت الهجري إلى الحكم الذاتي.
وفي منتصف نوفمبر/تشرين الثاني، أي قبل أقل من شهر، عقدت السلطات السورية محاكمات علنية لأنصار بشار الأسد، حيث عُرض أشخاص ملثمون ومقيدون بالسلاسل أمام الكاميرات، ويقول مراقبو حقوق الإنسان إن الحكومة السورية الجديدة فشلت في وضع استراتيجية وطنية للعدالة الانتقالية، وضاعت الفرصة، إذ لجأ عملاء النظام الجديد أنفسهم إلى قمع المعارضين بل قتلهم.
عودة الاستبداد
يعتقد كثير من السوريين أيضاً أن استبداداً أشد قد حلّ بسوريا، قال علاء إبراهيم، ناشط في المجتمع المدني في حمص، لصحيفة الغارديان: "الآن وقد مضى عام على تولي الحكومة الجديدة السلطة، إلى أين نتجه إذا استمرت الاغتيالات يومياً؟".
ويقول العديد من السوريين إن العدالة باتت تشكل تحدياً كبيراً أمام الحكومة السورية الجديدة، وإذا لم تُطبّق العدالة، فإن الوضع سيزداد سوءاً، ويحذر نشطاء المجتمع المدني من قلة الحديث عن الديمقراطية في سوريا الجديدة، إذ يمنح الدستور السوري الجديد صلاحيات واسعة للرئاسة، في حين أُجريت "الانتخابات" البرلمانية الأخيرة في سوريا دون اقتراع شعبي، وبدلاً من ذلك، عيّنت لجانٌ مقرّبة من أحمد الشرع، أو الجولاني، ثلثي المرشحين للمجلس التشريعي، بينما عيّن أحمد الشرع نفسه الثلث المتبقي من البرلمان الجديد.
ويشكو نشطاء حقوق الإنسان من النهج السياسي لحكومة دمشق الجديدة، معتقدين أن الهيكل السياسي لحكومة الشرع يُنشئ جهازًا أمنيًا سياسيًا جديدًا يُراقب الجميع، ويقول الكاتب السوري رضوان زيادة: "هناك بعض المؤسسات التي تُظهر سعيها لإنشاء نظام أكثر استبدادًا من ذي قبل، فهي لا تسمح للأحزاب السياسية بالعمل، ولا يُمكن لأحد عقد أي اجتماع سياسي دون إذن من مكتب الشؤون السياسية لحكومة الشرع".
التوترات في المناطق الكردية والجنوبية
بعد مرور عام على سقوط حكومة بشار الأسد، ورغم الاتفاق المُوقع في مارس/آذار بين دمشق والقوات الكردية في شمال شرق سوريا، والذي كان من المفترض أن يُؤدي إلى دمج القوات الكردية في الجيش السوري الجديد، لا تزال التوترات قائمة بين حكومة دمشق الجديدة والقوات الكردية.
ومن جهة أخرى، ورغم تصريح حكومة الشرع بأنها لا ترغب في الصدام مع تل أبيب، يُبدي نتنياهو شكوكًا تجاه الحكومة السورية الجديدة، وقد قصف مرارًا وتكرارًا مناطق في جنوب سوريا، بل إن الصهاينة احتلوا المنطقة العازلة التي كانت تحت إشراف الأمم المتحدة في جنوب سوريا، وشنوا غارات جوية وتوغلات متتالية على سوريا منذ سقوط الأسد، وتوقفت المحادثات بين دمشق وتل أبيب بشأن اتفاق أمني، وأصبحت أجزاء من جنوب سوريا خاضعة للاحتلال الإسرائيلي فعلياً.
سوريا تسجل أعلى معدلات الإصابات بالألغام
لا تزال آثار الحرب الأهلية منتشرة في كل مكان في سوريا، وتشير التقارير إلى مقتل ما لا يقل عن 590 شخصاً في سوريا جراء انفجارات الألغام الأرضية منذ سقوط الأسد، بينهم 167 طفلاً، وتتجه سوريا نحو تسجيل أعلى معدلات الإصابات بالألغام في العالم بحلول عام 2025، وذكرت وكالة رويترز أن الوفيات والإصابات الناجمة عن الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة في عام 2025 بلغت أعلى مستوياتها في أربع سنوات، بسبب الصراع في سوريا.
الاقتصاد يعاني
لم يتعافَ الاقتصاد السوري أيضاً من الأزمة خلال العام الماضي، فعلى الرغم من رفع معظم العقوبات الغربية، لا يزال الاقتصاد السوري يعاني من الركود، ورغم وعود دول الخليج بالاستثمار في مشاريع إعادة الإعمار، إلا أن الإنجازات على أرض الواقع قليلة، ويُقدّر البنك الدولي أن إعادة إعمار سوريا التي مزقتها الحرب ستُكلّف 216 مليار دولار.
وفي الوقت نفسه، ورغم عودة أعداد كبيرة من السكان إلى مدنهم خلال العام الماضي، لا تزال المناطق المتضررة مهجورة إلى حد كبير، كما أفادت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بأن أكثر من مليون لاجئ ونحو مليوني نازح سوري عادوا إلى ديارهم منذ سقوط الأسد، لكن دون فرص عمل أو إعادة إعمار، وسيضطر بعضهم إلى مغادرة البلاد مجدداً.
