الوقت- أعادت تصريحات وزير الحرب في حكومة الاحتلال، يسرائيل كاتس، التأكيد على جوهر السياسة الإسرائيلية تجاه قطاع غزة، حين قال بوضوح إن "إسرائيل" «لن تنسحب أبداً بشكل كامل من القطاع». هذه التصريحات لم تأتِ في سياق عابر أو تكتيكي، بل عكست موقفاً استراتيجياً ثابتاً يسعى الاحتلال من خلاله إلى فرض واقع جديد في غزة، قوامه الإبقاء على الوجود العسكري والسيطرة الأمنية تحت ذرائع متعددة، ويُنظر إلى هذا التصريح على أنه كشف صريح وغير مسبوق للنية الحقيقية للاحتلال، بعيداً عن الخطاب الموارب الذي اعتادت الحكومات الإسرائيلية استخدامه في المحافل السياسية والإعلامية، ما يؤكد أن غزة لا تزال تُعامل كأرض خاضعة للاحتلال وليست ساحة مؤقتة لعملية عسكرية طارئة.
دلالات التصريحات: سقوط خطاب التهدئة والانكشاف الكامل
تحمل تصريحات كاتس دلالات سياسية عميقة، أبرزها إسقاط أي حديث سابق عن نيات الانسحاب أو الالتزام الكامل بترتيبات التهدئة، فهي تعني عملياً أن الاحتلال لا يرى في وقف إطلاق النار سوى أداة مرحلية لإعادة التموضع، لا التراجع أو إنهاء السيطرة. كما تعكس هذه التصريحات انسجاماً مع رؤية المؤسسة الأمنية الإسرائيلية التي تعتبر غزة ملفاً مفتوحاً طويل الأمد، وليس أزمة ظرفية، وفي هذا السياق، يصبح الحديث عن حلول سياسية أو إعادة إعمار أو استقرار أمني بلا معنى حقيقي في ظل إعلان رسمي يكرس منطق الاحتلال الدائم، ويغلق الباب أمام أي أفق لتسوية حقيقية.
المقاومة أمام المعادلة الجديدة: الصمود كخيار وحيد
في ضوء هذا الموقف الإسرائيلي الصريح، تتبلور معادلة واضحة أمام قوى المقاومة الفلسطينية، مفادها بأن الصمود والمواجهة طويلة النفس باتا الخيار المتبقي في مواجهة مشروع البقاء والهيمنة، فالتجربة التاريخية مع الاحتلال أثبتت أن التنازلات السياسية لم تؤدِّ إلى إنهاء الاحتلال، بل شجعته على ترسيخ وجوده، ومن هنا، يُعاد التأكيد على أن مقاومة الاحتلال، بأشكالها المختلفة، ليست خياراً أيديولوجياً فحسب، بل ضرورة فرضها الواقع السياسي والعسكري، في ظل انسداد الأفق أمام أي التزام إسرائيلي حقيقي بالانسحاب أو احترام الاتفاقات.
المقاومة كترجمة عملية لإرادة الصمود الشعبي
لا يمكن فصل فعل المقاومة عن حالة الصمود الشعبي في غزة، إذ تشكل المقاومة التعبير العملي والمنظم عن إرادة الرفض والمواجهة، فالمقاومة، بأشكالها المختلفة، لم تنشأ بمعزل عن المجتمع، بل جاءت استجابة طبيعية لواقع الاحتلال وسياساته، وفي ظل التصريحات الإسرائيلية التي تؤكد نية البقاء وعدم الانسحاب، تتعزز مكانة المقاومة كقوة ردع سياسية ومعنوية، تهدف إلى منع الاحتلال من فرض معادلات أحادية، كما تؤكد هذه المقاومة أن تكلفة الاحتلال ستبقى مرتفعة، وأن مشاريع السيطرة الدائمة ستواجه تحديات مستمرة، مهما طال الزمن.
التحدي المستمر: بين كسر الإرادة وإعادة فرض الوقائع
يسعى الاحتلال، من خلال إعلان نياته بالبقاء في غزة، إلى كسر إرادة الفلسطينيين وفرض وقائع جديدة على الأرض، مستندًا إلى القوة العسكرية والدعم السياسي، غير أن هذا المسار يصطدم بحقيقة راسخة، مفادها بأن الشعب الفلسطيني أثبت عبر عقود من الصراع قدرته على تحويل التحديات إلى عناصر صمود إضافية، فكل محاولة لفرض الأمر الواقع تواجه برفض شعبي ومقاوم متجدد، يعيد التأكيد على أن السيطرة بالقوة لا تعني الاستقرار، وأن الاحتلال، مهما طال أمده، يبقى حالة مؤقتة أمام إرادة التحرر المتجذرة.
موقف حماس: خرق واضح لاتفاق وقف إطلاق النار
في المقابل، جاء رد حركة حماس حازماً، حيث اعتبرت أن تصريحات وزير الحرب الإسرائيلي بشأن البقاء في غزة تمثل خرقاً واضحاً وصريحاً لاتفاق وقف إطلاق النار، وأكدت الحركة أن أي حديث عن بقاء قوات الاحتلال أو عدم الانسحاب الكامل يتناقض جذرياً مع أسس التهدئة التي تقوم على وقف العدوان وإنهاء الوجود العسكري الإسرائيلي في القطاع، ويعكس موقف حماس قناعة راسخة بأن الاحتلال يستخدم الاتفاقات كغطاء سياسي، دون نية حقيقية للالتزام بها، ما يجعل استمرار حالة التوتر والانفجار مرجحاً في أي لحظة.
أزمة الوسطاء: تقاعس وصمت أمام الانتهاكات
أحد أبرز محاور هذا المشهد يتمثل في الدور الضعيف للدول الوسيطة، التي يُفترض بها رعاية اتفاق وقف إطلاق النار وضمان تنفيذه، فحتى الآن، لم تُسجل مواقف حازمة أو خطوات عملية للضغط على الاحتلال للالتزام بتعهداته، ما يثير تساؤلات جدية حول فعالية الوساطة وجدواها، هذا التقاعس لا يقتصر على الصمت السياسي، بل يمتد إلى غياب آليات الرقابة والمساءلة، الأمر الذي يمنح الاحتلال هامشاً واسعاً للاستمرار في خرق الاتفاقات دون تكلفة حقيقية.
التحدي المستمر: بين فرض السيطرة وفشل الردع
يعكس إصرار الاحتلال على البقاء في غزة محاولة لإعادة صياغة معادلة الردع عبر القوة العسكرية وفرض السيطرة الميدانية. غير أن هذه المحاولة تصطدم بتجربة تاريخية طويلة أثبتت محدودية القدرة على إخضاع الشعب الفلسطيني بالقوة وحدها، فغزة، رغم كل أشكال العدوان، تحولت إلى مساحة استنزاف دائم للمشروع الاحتلالي، حيث يفشل الردع في تحقيق استقرار طويل الأمد، ومع كل جولة صراع، تتكرس حقيقة أن السيطرة العسكرية لا تنتج واقعاً سياسياً مستداماً، بل تعمّق حالة المواجهة المفتوحة.
مستقبل التهدئة: إلى أين يتجه المشهد في غزة؟
في ضوء التصريحات الإسرائيلية الأخيرة، تبدو التهدئة في قطاع غزة أمام اختبار حقيقي، تتراجع فيه فرص الاستقرار لمصلحة تصعيد سياسي وأمني محتمل، فإعلان الاحتلال عدم الانسحاب الكامل يقوّض الأسس التي قامت عليها أي تفاهمات سابقة، ويحول وقف إطلاق النار إلى إجراء هش بلا ضمانات، وفي ظل غياب ضغط فعلي من الدول الوسيطة، تتحول التهدئة من مسار نحو تخفيف التصعيد إلى أداة لإدارة الصراع لا حله، هذا الواقع يفتح الباب أمام مرحلة تتسم بعدم اليقين، حيث تبقى التهدئة مرهونة بموازين القوة لا بالالتزامات السياسية.
