الوقت- كشف دونالد ترامب، يوم الاثنين الماضي، عن البرنامج العسكري للبحرية الأمريكية لبناء سفن جديدة تُعرف باسم "فئة ترامب"، ووصف هذه السفن بأنها سفن حربية متفوقة، وقال إنها تهدف إلى استبدال الأسطول الأمريكي الحالي، الذي وصفه بأنه "قديم ومتهالك".
ووفقًا للرئيس الأمريكي، سيبدأ البرنامج ببناء سفينتين ضمن خطة تُسمى "الأسطول الذهبي"، وسيصل في نهاية المطاف إلى ما بين 20 و25 سفينة.
يأتي هذا الخبر وسط تقارير تفيد بأن البحرية الأمريكية تخطط لاستبدال أسطولها من السفن الحربية السطحية الصغيرة بسفن أكثر حداثة وملاءمة للمهام الجديدة. بعد سنوات من بدء مشروع فرقاطات جديد يُعرف باسم برنامج "كونستليشن"، قررت البحرية الأمريكية أخيرًا التخلي عن البرنامج.
وبناءً على ذلك، أشار المحللون العسكريون، إلى جانب اعتبارهم الانسحاب من المشروع أمرًا حتميًا، إلى التحديات العالقة المتمثلة في إيجاد بديل. ويبقى السؤال مطروحًا حول ما إذا كانت خطة ترامب الجديدة ستُسهم في حل هذه التحديات، أو ما إذا كانت مشكلة بناء فرقاطات أسرع وأكثر تطورًا لمنافسة القوة البحرية المتنامية لدول منافسة مثل الصين ستظل قائمة.
هذه مذكرة تحليلية بقلم نيك تشايلدز، باحث بارز في مجال القوات البحرية والأمن البحري، نُشرت على موقع المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (iiss).
إلغاء مشروع فرقاطات "كونستليشن"
كان قرار البحرية الأمريكية في 25 نوفمبر/تشرين الثاني بإلغاء برنامج فرقاطات "كونستليشن" متوقعًا ومفاجئًا في آنٍ واحد. فقد عانى البرنامج طويلًا من مشاكل عديدة، وبرزت نقاط ضعفه بشكلٍ أوضح مع وصول إدارة ترامب الجديدة إلى السلطة، مع ذلك، لا يوجد حاليًا بديل واضح يُمكنه توفير القدرات الجديدة والضرورية التي تحتاجها البحرية الأمريكية بشكل أسرع وبتكلفة أقل.
لا تزال هناك تساؤلات جوهرية، منها كيف ستسد البحرية الفراغ الذي خلفه إلغاء البرنامج، وما هي الخطوة التالية لتحقيق هدف الإدارة المعلن بإعادة تصميم الأسطول المستقبلي، وستراقب العديد من بحريات العالم، التي تواجه بدورها تحدي تكييف قدراتها مع المتطلبات المستقبلية في بيئة سريعة التغير، هذه التطورات عن كثب.
بحر من المشاكل
كان من المفترض أن تكون فئة "كونستليشن"، المعروفة سابقًا باسم برنامج FFG(X)، استجابةً لمشاكل برنامج سفن القتال الساحلية (LCS) المثير للجدل التابع للبحرية الأمريكية، والذي حلّ فعليًا محل الفرقاطات التقليدية في وقت كان تركيز البحرية منصبًا فيه على التهديدات الساحلية الضحلة، ولكن مع تزايد الشكوك حول قدرة سفن القتال الساحلية على البقاء وقوتها النارية المحدودة، ومع عودة التركيز إلى العمليات في المياه المفتوحة، عادت البحرية إلى تصميم الفرقاطات التقليدية.
في أبريل/نيسان 2020، أعلنت البحرية الأمريكية اختيارها تصميمًا مُعدَّلًا للفرقاطة متعددة المهام الفرنسية الإيطالية المعروفة باسم "فريم"، كانت الخطة الأولية بناء 20 سفينة، على أن تُستكمل أول سفينة بحلول عام 2026، إلا أن المشروع سرعان ما تعثّر بسبب تغييرات تصميمية واسعة النطاق؛ لدرجة أن السفينة التي كان من المفترض أن تتشارك 85% من تصميمها مع النموذج الأوروبي، باتت الآن تتشارك 15% فقط. وقد أدّت الزيادة في الوزن والتكلفة، إلى جانب تأخيرات في البناء امتدت لما يقارب ثلاث سنوات، إلى إلغاء البحرية للبرنامج في نهاية المطاف.
مع ذلك، سيستمر بناء أول سفينتين، الجاري تنفيذهما حاليًا، جزئيًا لتجنب إغلاق حوض بناء السفن التابع لشركة "فينكانتيري مارين" في ولاية ويسكونسن، ريثما يقرر البنتاغون خطوته التالية، ولا تزال السفينتان قيد المراجعة، وسيتوقف مصيرهما النهائي على سرعة وضع البحرية لخطة جديدة، في المقابل، أُلغي طلب سابق لأربع سفن أخرى.
من بعض النواحي، يُواجه طراز "كونستليشن" المصير نفسه الذي لاقته سفن القتال الساحلية (LCS)، تمثلت إحدى المشكلات الرئيسية في تصميم سفن القتال الساحلية في أنها صُممت لعصر ما بعد الحرب الباردة، ما حدّ من عملياتها، ومع اتجاه العالم نحو التنافس بين القوى العظمى، برزت نقاط ضعفها في القدرة على البقاء والقوة النارية، وبالمثل، أكدت الدروس المستفادة من المواجهات البحرية الأخيرة في البحرين الأسود والأحمر صحة الانتقادات الموجهة إلى الفرقاطة الجديدة بشأن سعتها المحدودة من الذخيرة، إذ أنها مُجهزة بـ 32 خلية إطلاق عمودية فقط لتسليحها الصاروخي الرئيسي.
إلى أين سيتجه الأسطول المستقبلي؟
أوضحت الإدارة الأمريكية الجديدة عزمها على إجراء تغييرات جوهرية في البنتاغون، بما في ذلك في مجالي المشتريات الدفاعية وتخطيط القوات، وقد تجلى هذا التوجه في خطاب وزير الدفاع بيت هيغسيت الأخير حول إصلاح المشتريات الدفاعية، والذي حمل عنوان "ترسانة الحرية".
عانت البحرية الأمريكية لسنوات في سبيل وضع خطة واقعية وعملية لأسطولها المستقبلي لمواجهة النمو السريع لبحرية جيش التحرير الشعبي الصيني، عند إعلان إلغاء برنامج كونستليشن، صرّح وزير البحرية جون فلين بأن هذا القرار قد يكون الخطوة الأولى نحو رؤية جديدة للبحرية، كما أكّد الأدميرال داريل كاديل، القائد الجديد للعمليات البحرية الأمريكية، على ضرورة تصميم جديد للأسطول يدمج التقنيات الناشئة.
مع ذلك، سيُثير هذا التغيير في التوجه حتمًا تساؤلات جديدة، من بينها كيفية سدّ الفراغ الناجم عن نقص الفرقاطات، قد يكون ذلك من خلال تصميم جديد ومنهجية جديدة للسفن القتالية السطحية الصغيرة، أو تسريع وتيرة برنامج السفن السطحية غير المأهولة، أو مزيج من الاثنين، إلا أن تحقيق القدرة التشغيلية بسرعة لا يزال يُمثّل تحديًا كبيرًا. فتحويل الأفكار والمفاهيم الجديدة إلى قدرات تشغيلية حقيقية - لا سيما تطوير تصميم ناضج للسفن غير المأهولة القادرة على البقاء لفترات طويلة في المياه العميقة - لا يزال يُنذر بتكرار مشاكل البرامج السابقة.
ثمّة مسألة تصميم سفينة القتال السطحية الكبيرة المستقبلية التابعة للبحرية الأمريكية، والمعروفة حاليًا باسم DDG(X)، والمُصممة لاستبدال البوارج من فئة تيكونديروجا والمدمرات من فئة أرلي بيرك التي تُحال إلى التقاعد بسرعة. وتزداد المسألة تعقيدًا بتصريحات دونالد ترامب الأخيرة حول إمكانية عودة السفن الحربية الثقيلة (السفن الحربية المُسلحة، أو "البوارج")، وهي فكرة قد تؤثر على التفكير الاستراتيجي والتصاميم المستقبلية.
وبالنظر إلى هذه التطورات مجتمعة، إلى جانب إعادة توجيه البحرية استنادًا إلى الدروس العملياتية الجديدة، فقد تُؤدي إلى مزيج مختلف جذريًا من أساطيل السطح المستقبلية عما كان مُتصورًا سابقًا، ويرتبط هذا أيضًا بسؤال رئيسي آخر: كيف وإلى أي مدى سيتحقق طموح الإدارة الأمريكية في إحياء قدرات بناء السفن الأمريكية؟
في غضون ذلك، تستمر القدرات البحرية الصينية في التطور بوتيرة ملحوظة، ما يجعل القرارات التي تواجهها البحرية الأمريكية قضايا بالغة الأهمية والحساسية.
على نطاق أوسع، تعمل القوات البحرية الرئيسية الأخرى في العالم على تحديث أساطيلها، ساعيةً إلى تحقيق التوازن بين الحاجة إلى قدرات متقدمة لمواجهة التهديدات الناشئة والمعقدة، والرغبة في حلول أكثر فعالية من حيث التكلفة، مثل السفن غير المأهولة، لزيادة القدرة العملياتية، تواجه العديد من هذه القوات تحديات مماثلة في تنفيذ خططها، على الرغم من اختلاف مستويات طموحها ومتطلبات قدراتها، بما في ذلك اختلاف وجهات النظر حول دور الفرقاطات الحديثة في هيكل الأسطول. ومع ذلك، ستراقب هذه القوات بلا شك التطورات في البحرية الأمريكية عن كثب لتحديد ما إذا كان ينبغي عليها اتباع مسار مماثل أو على الأقل التكيف مع تداعياته.
