الوقت- في شهادة صادمة تحمل أبعادًا إنسانية وقانونية وسياسية خطيرة، كشفت صحفية ألمانية شابة، يوم الجمعة الماضي، عن تعرضها لاعتداء جنسي مباشر أثناء احتجازها داخل سجون الكيان الإسرائيلي، في واقعة تُضاف إلى سجل طويل من الانتهاكات الموثقة بحق المعتقلين، ولا سيما الفلسطينيين والمتضامنين الأجانب.
الصحفية، وتدعى آنا ليدتكه، وتبلغ من العمر 25 عامًا، أوضحت أن الاعتداء وقع بعد اعتقالها على خلفية مشاركتها في «أسطول الحرية العالمي» الهادف إلى كسر الحصار المفروض على قطاع غزة، ووفق روايتها، فإن الحادثة حصلت أثناء نقلها من سجن كتسيعوت في صحراء النقب إلى سجن غفعون، وهو نقل يتم عادة تحت إشراف عسكري مباشر، وفي ظروف تفتقر إلى أي رقابة مستقلة.
وأكدت ليدتكه أن اختيارها الإعلان العلني عن هذه الواقعة لم يكن سهلًا، لكنه ضرورة أخلاقية ومهنية، مشيرة إلى أن الصمت في مثل هذه القضايا لا يخدم سوى الجناة، ويُكرّس ثقافة الإفلات من العقاب.
تفاصيل الاعتقال ورواية الانتهاك
حسب ما أفادت به الصحفية الألمانية، فإن اعتقالها جاء في إطار حملة أمنية استهدفت نشطاء ومتضامنين دوليين شاركوا في محاولات كسر الحصار عن غزة، وأكدت أن عملية الاعتقال تمت دون توجيه تهم واضحة، ودون تمكينها من التواصل الفوري مع محامٍ أو جهة قنصلية، في مخالفة صريحة للمعايير الدولية الخاصة باحتجاز المدنيين الأجانب.
وأوضحت أن الانتهاك الجنسي وقع أثناء عملية النقل بين السجنين، حيث جرى التعامل معها بعنف جسدي وإهانات لفظية ذات طابع جنسي، قبل أن يتطور الأمر إلى اعتداء مباشر، ووصفت التجربة بأنها «مهينة ومقصودة»، معتبرة أن ما جرى لم يكن تصرفًا فرديًا عابرًا، بل نتيجة بيئة أمنية تسمح بمثل هذه الأفعال وتحمي مرتكبيها.
وقالت ليدتكه إن وجودها كامرأة أجنبية لم يشكّل أي عامل حماية، بل ربما استُخدم كوسيلة إضافية للترهيب، مشيرة إلى أن ما شاهدته داخل السجن من أوضاع المعتقلين الفلسطينيين كشف لها حجم المأساة اليومية التي يعيشونها بعيدًا عن أعين الإعلام الدولي.
وأضافت إن الفلسطينيين داخل منظومة السجون الإسرائيلية يُجرَّدون من إنسانيتهم، ويُعاملون كأرقام أو تهديدات أمنية دائمة، وهو ما يسهّل ارتكاب الانتهاكات بحقهم دون شعور بالمساءلة أو الخوف من العقاب.
العدالة من منظور الضحية: ما وراء المحاسبة الجنائية
في تصريحاتها، شددت الصحفية الألمانية على أن مفهوم العدالة، بالنسبة لها، لا يقتصر على محاكمة الأفراد المتورطين في الاعتداء، رغم أهمية ذلك، بل يتجاوز إلى تفكيك المنظومة التي تسمح بتكرار هذه الجرائم.
وقالت إن العدالة الحقيقية تعني إنهاء المشروع الصهيوني القائم على الاحتلال، ووقف سياسات الإبادة الجماعية، وإنهاء نظام السيطرة القسرية المفروض على الشعب الفلسطيني. واعتبرت أن الحديث عن العدالة دون معالجة جذور الظلم هو «تجميل لواقع فاسد».
وأكدت أن كشف هذه الشهادة هو واجب مهني وأخلاقي، خاصة بعد أن عاينت بنفسها ما يجري خلف جدران السجون الإسرائيلية، مشيرة إلى أن كثيرًا من الضحايا لا يملكون المنصات الإعلامية أو الحماية الدولية التي تسمح لهم بالكلام.
سجل طويل من الانتهاكات داخل سجون الكيان الإسرائيلي
لا تأتي شهادة آنا ليدتكه في فراغ، بل تندرج ضمن سياق موثق من الانتهاكات التي طالت، على مدى عقود، آلاف المعتقلين داخل سجون الكيان الإسرائيلي. فقد سبق لمنظمات حقوقية دولية، بما فيها جهات تابعة للأمم المتحدة، أن وثّقت أنماطًا متكررة من العنف الجسدي والنفسي، والتحرش، والاعتداءات ذات الطابع الجنسي، وخاصة أثناء التحقيق أو النقل.
سجن كتسيعوت، الذي احتُجزت فيه الصحفية الألمانية، يُعد من أكثر السجون التي ارتبط اسمها بشكاوى تتعلق بسوء المعاملة، نظرًا لطبيعته العسكرية وموقعه المعزول، حيث تقل الرقابة وتزداد صلاحيات العناصر الأمنية، وقد أفاد أسرى فلسطينيون محررون، في شهادات سابقة، بتعرضهم لعمليات تفتيش مهينة، وضرب مبرح، وتهديدات مباشرة، في ظل غياب أي آلية فعالة لتقديم الشكاوى أو ضمان التحقيق الجاد.
كما وثّقت تقارير حقوقية استخدام العنف الجنسي كأداة للضغط النفسي، سواء عبر التهديد أو الإهانة أو الاعتداء المباشر، في انتهاك صارخ لاتفاقيات جنيف والقانون الدولي الإنساني.
دعوة مفتوحة لكسر الصمت الدولي
في ختام شهادتها، وجّهت الصحفية الألمانية نداءً إلى شعوب العالم، دعتهم فيه إلى التحرك العملي وعدم الاكتفاء بالإدانة اللفظية، وطالبت بتنظيم احتجاجات أمام سفارات الكيان الإسرائيلي، والضغط على الحكومات الغربية التي توفر الغطاء السياسي والدبلوماسي لاستمرار هذه الانتهاكات.
وأكدت أن ما تعرضت له، رغم قسوته، لا يُقارن بما يعيشه الأسرى الفلسطينيون يوميًا داخل السجون، حيث تُمارس الانتهاكات بشكل منهجي وبعيدًا عن الأضواء، كما دعت وسائل الإعلام الغربية إلى التخلي عن ازدواجية المعايير، والتعامل مع هذه القضايا بجدية ومهنية، بدل تجاهلها أو تبريرها بذرائع أمنية.
وتعيد هذه القضية تسليط الضوء على ملف السجون الإسرائيلية بوصفه أحد أكثر الملفات إظلامًا في سياق الصراع، وعلى الحاجة الملحّة إلى تحقيقات دولية مستقلة، تضمن المساءلة، وتضع حدًا لسياسة الإفلات من العقاب، في ظل استمرار الاحتلال وغياب العدالة.
